سمع لاغاني ناس الغيوان



فرقة ناس الغيوان هي فرقة موسيقية مغربية، تأسست في ستينيات القرن الماضي بالحي المحمدي أحد أفقر احياء الدار البيضاء وأكثرها شعبية، في أحد دروب الحي المحمدي ذي الحمولة التاريخية والاجتماعية في الدارالبيضاء. من طرف وبوجميع والعربي باطما وعمر السيد وعبد العزيز الطاهري ومحمود السعدي، تأسيس مجموعة " ناس الغيوان " شكل النواة الأولى لانتشار لون موسيقي جديد مهم، ساهم بشكل كبير في الدفع بالموسيقى التراثية المغربية، التي كانت تعاتي من إهمال طال التراث الموسيقي المغربي طوال عدة عقود وأبدع في التعامل معه لحنا وميزانا وكلمة. ناس الغيوان هي فرقة روحية للموسيقى الروحية والنغمة الشعبية تتماوج مع المواضيع ذات البعد والإشعاع الروحي الذي يلمس القلب فتهيج به غرائزه نحو المعرفة الذاتية والبحث الذهني عن مفهوتها فتراه يوما حزينا وتراه يوما قويا صامدا مستمعا لها



"ناس الغيوان" عبارة تعني "أهل الفَهَامة"، وهم أناس يفهمون ويستنبطون ما وراء العبارة فلا يكتفون بظاهر لفظها، وإنما ينجذبون عميقا إلى صفاء استعاراتها ومجازاتها. وأغلب هؤلاء هم شعراء جوّالون، تأثّروا بالطرق الصوفية الشعبية التي ظهرت بالمغرب مطلع القرن الرابع عشر الميلادي، واكتفوا من حياتهم بوظيفة التخلّي عن الدنيا والتجول في الأرض والإنشاد الذي كانوا يضمّنونه أخبار مَن مرّوا بهم من قبائل ونُجوع وتبليغها إلى مستمعيهم، ونذكر منهم الشاعر والصوفي المغربي، عبد الرحمن المجذوب، وسيدي بوعلام الجيلاني، وابن المؤقت المراكشي وغيرهم..



وقد تمثّلت فرقة "ناس الغيوان" تاريخ هؤلاء الرجال المجاذيب وروحانياتهم وغموضهم وترحّلهم وزجرهم من الظاهر وميلهم إلى ما لا يدركه البصر، ووجد فيه أفرادُها ما يصلح لهم سبيلاً إلى فهم متغيّرات زمنهم،في زمن كان فيه التعبير والنقد المباشر للسلطة والأوضاع أمرا خطيرا قد يؤدي إلى السجن أو القتل والتعذيب، فلاذوا به يستعيرون منه إيحاءاتِ التسمية، وصيغَ التواجد بين الناس، ومفردات الرحلة الروحية، والخروج من ضيق الجسد إلى براح الرؤيا.[1]



يقول العربي باطما في مذكراته وهي اما وجدناه الأكثر تعبيرا عن خلفية الرحيل والترحل الصوفي في اللاّوعي الطفولي للرجل: "اسم أبي رحّال. اسم جدّي رحّال. اسم أمي حادّة. الرّحيل، الحدود، الحدّة، أسماء تعني العنف والألم وعدم الاستقرار، هكذا كانت طفولتي رحيلا بين الدار البيضاء والقرية.



عشت بين الشك واليقين، وفي كل مرّة، كنت أسأل نفسي، وأجد الحكمة تطو فوق كل التساؤلات: المهم، ولا شيء مهم إلا أنا"



اكتسبت مجموعة ناس الغيوان شعبيتها واحترامها واعتراف جميع المهتمين بالتأريخ الأدبي والفني للمغرب، نتيجة العطاء الفني وتأسيسهم لتراث غنائي تاريخي مغربي انطلاقا من قربهم وانغماسهم في هموم ومعاناة شعب مقهور في ظرفية سياسية صعبة من تاريخ المغرب المعاصر من سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وتغني هذه المجموعةعن آلام الشعب المغربي وآماله، فأغنية "مهمومة"، "وغير خوذوني"، و"فين غادي بيا خويا"، و" سبحان الله صيفنا ولاشتوى" صيفنا سبحان الله صيفنا ولاشتوى" ولاشتوى"، و"ضايعين ضايعين"، "ونرجاك أنا" و"الصينية" و"الهمامي".. وغيرها كثير من الأغاني التي ترددت على ألسنة فئات متعددة ومتنوعة من أبناء الشعب المغربي، بل أصبحت هذه الأغاني في مرحلة معينة من تاريخ المغرب، ملاذ هروب واحتماء من سياط الفقر والقمع وقلة ذات اليد، وانعدام الحريات، وإهانة الإنسان... والمثير في مجموعة ناس الغيوان أنها استطاعت أن تُكسب نصوصها الغنائية طابعا فنيا مثيرا، أوّلا من حيث احتماليتها المضمونية، وثانيا من حيث قوة أدائها الموسيقي، فالاحتمالية المضمونية تتجسد في إقبال الناس عليها باختلاف طبائعهم وإيديولوجياتهم وطموحاتهم.

الغالب الفنيّ على نتيج عناصر فرقة "ناس الغيوان" هو نهوضه على مأثورات شعبيّة زجليّة ذات إحاءات صوفية، نلقي لها وجودا في سجلّ التراث الشفهي المغربي في جل أغانيهم، وذلك سواء من حيث ذكر أسماء رجال الصوفية مثل سيدي عبد الرحمن المجذوب، وسيدي بوعلام الجيلالي، وابن المؤقت المراكشي وغيرهم من رجالات الصوفية والتراث الشفهي المغربي، و من حيث الملفوظ الصوفي، على غرار أغنية "الله يا مولانا" حيث نقرأ في مقطع منها "الله يا مولانا/حالي ما يخفاك يا الواحد ربي/سبحان الحي الباقي/ بِك عمرت السّواقي/ونحلتي في نواورك مَرعية/ولا تجعلني شَقي/حرمة ودخيل ليك بالصوفية". أو عموما من حيث طريقة أداء أغانيهم حيث يكثر فيها "الشطح" و"التهليل" و"المنادى" و"الدعاء" و"النداء".



ونعتقد أنّ الصوفية في بلاد المغرب، إشراقا وإيحاءً، مثّلت منهلا متحت منه ناس الغيوان كلمات أغانيها، بل إنّ في أغانيها إشراقات صوفية تذكّرنا بأقطابها القدامى، كما في هذه الأغنية التي تقول: "الناس زارت محمد/وانا ساكن لي في قلبي/الناس زارتوا بالمركوب/وانا نمشي له على رجلي".



وقد عضد هذا التوجّه الغنائيّ الصوفي اعتماد ناس الغيوان على آلات موسيقية عتيقة مثل "الهجهوج" و"الطام طام" و"السنتير" و"الطعريجة" و"الحراز" و"البانجو" و"الكمبري" والدربوكة، وهي التي كان بعضها مستعملاً في حضرة المشتاقين المجاذيب وأتباع الصوفية. هذا، إضافة إلى نزوع جميع أغاني هذه الفرقة إلى تعرية المسكوت عنه في المعيش اليومي باستعمال كثير من السخرية السوداء الممزوجة أحيانا بحماسة الموجة السبعينية في ذاك الوقت، كما هو الحال مع أغنية "تَـبـنِـي وتعـَلـِّــي تمشي وتـخـلــي" انتقادا لظرفية انتهازية ونوع من بورجوازية مغربية وعربية يطبعها غياب الضمير والإغتناء من مآسي الشعب. أو كذلك على المستوى الوجداني والإنساني في أغنية "أفريقيا (الدم السايل)"



حصلت ناس الغيوان على جوائز عديدة في محتلف الربوع الثقافية، وعندما سلّم (فريدريك ميتران Frédéric Mitterrand)، وزير الثقافة والاتصالات الفرنسي، أوسمة لأعضاء فرقة ناس الغيوان من صنف "فرسان الفنون والآداب" التي تمنح بإسم الجمهورية الفرنسية، قائلا في حقهم قولة استعار كلماتها من الفنان السينمائي الأمريكي مارتن سكورسيزي "إن ناس الغيوان بمثابة رولينج ستون إفريقيا.[2]



ولكن الجائزة الكبرى والحقيقية، تتجلى في قدرة الغيوان التي نبعت من عمق الدار البيضاء الشعبية، على إيصال التراث الموسيقي المغربي واحياء جذوره من التراب، كرسالة فنية سامية إلى الجماهير المغربية والمغاربية والعربية والإفريقية ثم العالمية والأوربية في سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.



أحيت فرقة ناس الغيوان، حفلات فنية في مختلف ربوع المغرب العربي أساسا، ثم دول العالم العربي ودول غربية، اعطت الفرصة للغيوان بالتواصل المباشر مع جماهير غير مغربية التي كانت انطلاقتها الاولى، وشهدت تلك المرحلة إحياء حفلات أسقطت كل الأسوار والحواجر التي تبنيها السياسة، ناجحة في إلهام الجماهير المغربية والمغاربية والعربية، وجماهير أروبية في عدة مناسبات، كلما سنحت الفرصة من خلال المشاركة في حفلات ومهرجانات فنية ناجحة في إنجلترا وبلجيكا وفرنسا.



وتظهر أهمية البصمة الفنية والتراثية للمجموعة في تلك الحقبة من السبعينيات والثّمانينيَّات في الفيلم الوثائقي الحال (فيلم) للسينمائي البيضاوي أحمد المعنوني، الذي يعتبر الآن بمثابة "وثيقة سينمائية تاريخية" التي تطرق فيها الوثائقي إلى حياة وبيئة "ناس الغيوان" في ارتباطها بمنطقة الحي المحمدي بالدار البيضاء في أوج ازدهارها الفني والثقافي من سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن 20.



تحول الإنتاج الوثائقي من المحلية إلى العالمية، حيث حصل على الجائزة الأولى لـ ESEC سنة 1982، كما تم اختيار الفيلم الذي يدون لبيئة المجموعة في المسابقة الرسمية لمهرجان لندن، ومهرجان نيويورك. كما تم اختيار الفلم ليعرض ضمن فقرة "كان كلاسيك" في مهرجان كان العالمي سنة 2007.[3]



اختير هذا الوثائقي كأول فيلم يتم تقديمه من طرف المخرج السينمائي العالمي مارتن سكورسيزي ليعرض في افتتاح تدشين "المنظمة العالمية للسينما"





ولكن يبقى دور الأشخاص المشكلين للمجموعة ضروريا بل وحاسما، لأن الإبداع في عمقه فردي وإنساني، فلن ننكر أن المجموعة أصيبت في وفاة البلبل المغرد بوجميع، بفعل ما يتميز به من قدرات صوتية وأدائية رفيعة. وازدادت محن المجموعة مع القدر الذي خطف هذه المرة العربي باطما صاحب الصوت المرخم. ورغم ذلك قدر الله أن تستمر المجموعة في عطائها بانضمام حميد ورشيد، المنتمين إلى أسرة باطما، فلعلهما ورثا سر العربي ومحمد.



تشكلت الفرقة من :



بوجميع الذي يعتبر الأب الروحي للفرقة.

العربي باطما.

علال يعلى.

عمر السيد.

عبد الرحمن قيروش (باكو).



سمع لاغاني ناس الغيوان